قال شيخ الإسلام: "قالوا: وقال أشعياء النبي عليه السلام مثنياً على مكة شرفها الله: (ارفعي إلى ما حولك بصرك، فستبتهجين وتفرحين؛ من أجل أن الله يصير إليك ذخائر البحرين، وتحج إليك عساكر الأمم، حتى يعم بك قطر الإبل الموبلة، وتضيق أرضك عن القطرات التي تجتمع إليك، وتساق إليك كباش مدين ويأتيك أهل سبأ، ويسير إليك أغنام فاران، ويخدمك رجال مأرب)، يريد سدنة الكعبة وهم أولاد مأرب بن إسماعيل.
قالوا: فهذه الصفات كلها حصلت بـمكة، فحملت إليها ذخائر البحرين"، وهذا ليس فيه شك، "وحج إليها عساكر الأمم" ولا يمكن أن تنطبق هذه الأوصاف على بلد غير مكة شرفها الله، وسيقت إليها أغنام فاران".
قوله في البشارة: (وتساق إليك كباش مدين)، تقع مدين في شمال جزيرة العرب بين بلاد العرب وسيناء، وما زالت كباش مدين إلى الآن تحمل هدياً إلى هذا البيت؛ فلا يمكن لأحد أن ينكر أن هذا إنما ينطبق على وصف مكة، ولا يمكن أن ينطبق على بلد آخر غيرها.
وقوله: (يأتيك أهل سبأ)، فهذا معلوم أنهم أتوا إليها وما زالوا يأتون، (ويسير إليك أغنام فاران)، وهي البرية بين مكة إلى الشام، ومن رأى الناس -خاصة أيام الحج- كيف تسير بالقوافل من الإبل والبقر والغنم، رأى أمراً عجيباً! ولا يساق إلى أي بلد في العالم بمثل هذا العدد، فسبحان الله رب العالمين!!
وقوله: (ويخدمك رجال مأرب) أي: يصبحون سدنة.
قال: "قالوا: وقال أشعياء النبي صلى الله عليه وسلم معلناً باسم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إني جعلت أمرك محمداً، يا محمد يا قدوس الرب، اسمك موجود من الأبد)، قالوا: فهل بقي بعد ذلك لزائغ مقال أو لطاعن مجال؟! وقول أشعياء : إن اسم محمد موجود من الأبد، موافق لقول داود الذي حكيناه أن اسمه موجود قبل الشمس.
قالوا: وقال أشعياء -وشهد لهذه الأمة بالصلاح والديانة-: (سأرفع علماً لأهل الأرض بعيداً، فيصفر لهم من أقاصي الأرض فيأتون سراعاً)، والنداء هو ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من التلبية في الحج"، ومعروف أن المقصود هو البيت الحرام؛ حيث إن الناس يأتونه من كل فج عميق.